شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.
رسائل مفيدة في الصلاة والحج
5869 مشاهدة
4- فضل أيام عشر ذي الحجة والأعمال الواردة فيها

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد..
فضل عشر ذي الحجة
روى البخاري -رحمه الله- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام -يعني أيام العشر- قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء .
وروى الإمام أحمد -رحمه الله- عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ما من أيام أعظم ولا أحب إلى الله العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد .
وروى ابن حبان -رحمه الله- في صحيحه عن جابر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أفضل الأيام يوم عرفة .
أنواع العمل في هذه العشر:
الأول: أداء الحج والعمرة وهو أفضل ما يعمل ويدل على فضله عدة أحاديث منها قوله -صلى الله عليه وسلم- العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة وغيره من الأحاديث الصحيحة.
الثاني: صيام هذه الأيام أو ما تيسر منها -وبالأخص يوم عرفة- ولا شك أن جنس الصيام من أفضل الأعمال وهو ما اصطفاه الله لنفسه كما في الحديث القدسي الصوم لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي .
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا متفق عليه أي مسيرة سبعين عاما.
وروى مسلم -رحمه الله- عن أبي قتادة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده
الثالث: التكبير والذكر في هذه الأيام، لقوله -تعالى- وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ وقد فسرت بأنها أيام العشر، واستحب العلماء لذلك كثرة الذكر فيها لحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- عند أحمد -رحمه الله- وفيه: فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد .
وذكر البخاري -رحمه الله- عن ابن عمر وعن أبي هريرة -رضي الله عنهم- أنهما كانا يخرجان إلى السوق في العشر، فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما .
وروى إسحاق -رحمه الله- عن فقهاء التابعين -رحمة الله عليهم- أنهم كانوا يقولون في أيام العشر: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
ويستحب رفع الصوت بالتكبير في الأسواق والدور والطرق والمساجد وغيرها لقوله -تعالى- وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ .
ولا يجوز التكبير الجماعي وهو الذي يجتمع فيه جماعة على التلفظ بصوت واحد، حيث لم ينقل ذلك عن السلف وإنما السنة أن يكبر كل واحد بمفرده، وهذا في جميع الأذكار والأدعية إلا أن يكون جاهلا فله أن يلقن من غيره حتى يتعلم، ويجوز الذكر بما تيسر من أنواع التكبير والتحميد والتسبيح، وسائر الأدعية المشروعة.
الرابع: التوبة والإقلاع عن المعاصي وجميع الذنوب، حتى يترتب على الأعمال المغفرة والرحمة، فالمعاصي سبب البعد والطرد، والطاعات أسباب القرب والود، وفي الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله يغار وغيرة الله أن يأتي المرء ما حرم الله عليه متفق عليه.
الخامس: كثرة الأعمال الصالحة من نوافل العبادات كالصلاة والصدقة والجهاد والقراءة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك؛ فإنها من الأعمال التي تضاعف في هذه الأيام، فالعمل فيها وإن كان مفضولا فإنه أفضل وأحب إلى الله من العمل في غيرها وإن كان فاضلا حتى الجهاد الذي هو من أفضل الأعمال إلا من عقر جواده واهريق دمه.
السادس: يشرع في هذه الأيام التكبر المطلق في جميع الوقت من ليل أو نهار إلى صلاة العيد ويشرع التكبر المقيد وهو الذي يكون بعد الصلوات المكتوبة التي تصلى في جماعة، ويبدأ لغير الحجاج من فجر يوم عرفة وللحجاج من ظهر يوم النحر، ويستمر إلى صلاة العصر آخر أيام التشريق.
السابع: تشرع الأضحية في يوم النحر وأيام التشريق وهو سنة أبينا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- حين فدى الله ولده بذبح عظيم، وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما متفق عليه.
الثامن: روى مسلم -رحمه الله- وغيره عن أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره وفي رواية فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي ولعل ذلك تشبها بمن يسوق الهدي، فقد قال الله -تعالى- وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ وهذا النهي ظاهره أنه يخص صاحب الأضحية ولا يعم الزوجة ولا الأولاد إلا إذا كان لأحدهم أضحية تخصه، ولا بأس بغسل الرأس ودلكه ولو سقط منه شيء من الشعر.
التاسع: على المسلم الحرص على أداء صلاة العيد حيث تُصلَّى، وحضور الخطبة والاستفادة، وعليه معرفة الحكمة من شرعية هذا العيد، وأنه يوم شكر وعمل بر، فلا يجعله يوم أشر وبطر ولا يجعله موسم معصية وتوسع في المحرمات كالأغاني والملاهي والمسكرات ونحوها مما قد يكون سببا لحبوط الأعمال الصالحة التي عملها في أيام العشر.
بعد ما مر بنا ينبغي لكل مسلم ومسلمة أن يستغل هذه الأيام بطاعة الله وذكره وشكره والقيام بالواجبات والابتعاد عن المنهيات واستغلال هذه المواسم والتعرض لنفحات الله ليحوز على رضا مولاه والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.